Friday 10 June 2016

اطول نفق بري في العالم - Tunnel de Lærdal

أطول نفق بري في العالم

اذا اردت ان ترى جبالا وخلجانا بحرية ضيقة رائعة،‏ فتعالَ الى غربي النَّروج!‏ هناك ستعتريك الرهبة لما تراه!‏ وفضلا عن ذلك،‏ سترى طرقات ضيقة متعرِّجة وأنفاقا كثيرة تشهد على عبقرية الانسان.‏ ولكن مؤخرا أُكمل العمل في نفق جديد هو تحفة هندسية تفوق مثيلاتها.‏ انه نفق لاردال،‏ اطول نفق بري في العالم —‏ طريق رئيسي محفور في الصخر يبلغ طوله ٥‏,٢٤ كيلومترا!‏ تخيَّل انك تقود سيارتك في مدخل النفق،‏ عالمًا انه بعد دقائق قليلة فقط سيعلوك جبل بارتفاع اكثر من ٠٠٠‏,١ متر!‏
لماذا كانت هنالك حاجة الى نفق طويل كهذا؟‏ انه يشكّل جزءا مهما من الطريق الرئيسي الذي يصل بين اكبر مدينتين في النَّروج،‏ أوسلو (‏العاصمة،‏ في الشرق)‏ وبرڠن (‏على الساحل الغربي)‏.‏ فالطرق الجبلية الاخرى بين هاتين المدينتين صعبة السلوك في الشتاء بسبب الثلوج والرياح.‏ لذلك نشأت حاجة ماسة الى طريق جديد،‏ طريق آمن اثناء الطقس العاصف.‏ فقرر البرلمان النَّروجي سنة ١٩٩٢ ان يشمل الطريق الرئيسي الجديد نفقا بين مقاطعتَي أورلاند ولاردال الصغيرتين.‏ وبعد خمس سنوات من البناء،‏ تمّ فتح النفق رسميا في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٢٠٠٠.‏ فكيف أُنجزت هذه التحفة الهندسية؟‏ الى اي حد آمن هو النفق؟‏ وأي شعور يعتري المرء اثناء سلوكه؟‏ دعنا نكتشف ذلك.‏
مشاكل البناء
يربط النفق بين لاردال وأورلاند،‏ لكنّ العمال بدأوا العمل فعليا في ثلاثة اماكن في الوقت نفسه.‏ فقد بدأ فريقان العمل في طرفَي النفق،‏ وبدأ فريق ثالث العمل في نفق تهوية يبلغ طوله ٢ كيلومترا سيلتقي النفق الرئيسي على بعد ٥‏,٦ كيلومترات من مدخل لاردال.‏ فكيف تمكَّنت الفِرَق الثلاث من تنسيق الحفر لتضمن ان تلتقي عميقا داخل الجبل؟‏ استُعملت النُّظُم الملاحية التي تستخدم الاقمار الاصطناعية لتحديد نقطة انطلاق كل فريق بدقة؛‏ كما استُخدمت حُزَم اشعة لايزَر لتحديد اتجاه الحفر.‏ فنظَّمت هذه الحُزَم تحرُّك آلات الحفر بحيث تكون الحُفَر التي صُنعت للمتفجِّرات في الموقع الصحيح.‏
صُنعت لكل عملية تفجير ١٠٠ حفرة تقريبا،‏ كلٌّ منها بعمق ٢‏,٥ امتار.‏ وحُشِر في هذه الحُفَر نحو ٥٠٠ كيلوڠرام من المتفجِّرات،‏ مما كان يؤدي الى ٥٠٠ متر مكعَّب تقريبا من الصخور المتكسرة.‏ وكانت هذه الكُسارة تُنقل بعدئذ بالشاحنات.‏ وقبل معاودة عملية الحفر،‏ كان يلزم تدعيم جدران النفق وسقفه.‏ فاستُعملت مسامير ملولبة فولاذية طويلة ورُشَّت الجدران والسقف بالإسمنت المسلَّح بالالياف،‏ المعروف بإسمنت الرش.‏ كان كل فريق يتقدّم مسافة تتراوح بين ٦٠ و ٧٠ مترا كل اسبوع.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٩،‏ فُجِّر آخر جزء من الصخور والتقى الفريقان اللذان يعملان في النفق الرئيسي،‏ بانحراف يبلغ نحو ٥٠ سنتيمترا!‏ وبعد اربعة عشر شهرا تمّ فتح النفق في الموعد المحدَّد.‏ وقد بلغت التكاليف حتى هذه المرحلة ١٢٠ مليون دولار اميركي.‏
كيف زُوِّدت التهوية؟‏
غالبا ما يشكِّل تأمين هواء نقي تحدِّيا كبيرا لمهندسي الانفاق.‏ وبما ان اجتياز نفق لاردال بالسيارة يستغرق نحو ٢٠ دقيقة،‏ فمن المهم جدا ان يكون الهواء على درجة من النقاوة لتنشّقه.‏ فكيف حُقِّق ذلك؟‏
ان نفق التهوية البالغ طوله ٢ كيلومترا،‏ والذي يبعد ٥‏,٦ كيلومترات عن مدخل لاردال،‏ يمتد الى وادٍ مجاور ويعمل عمل المدخنة،‏ او قناة لخروج الهواء.‏ فالهواء النقي يدخل الى النفق من طرفَيه والهواء الملوث يخرج عبر نفق التهوية.‏ ويمكن ان تُستعمل مروحتان موضوعتان في نفق التهوية —‏ تبلغ سعتهما القصوى ٧‏,١ مليون متر مكعب في الساعة —‏ لزيادة تدفق الهواء عندما تصير نسبة تلوث الهواء عالية.‏ ان هذا النظام يزوِّد النفق بكمية كافية من الهواء النقي في جانب لاردال؛‏ ولكن وجب فعل شيء اضافي لجانب أورلاند،‏ الذي هو اطول.‏ لذلك وُضعت ٣٢ مروحة اصغر،‏ مراوح لدفع الهواء،‏ في سقف النفق لزيادة تدفق الهواء نحو نفق التهوية.‏ ولكن،‏ فيما يتدفق هذا الهواء مسافة طويلة من جانب أورلاند الى مدخل نفق التهوية،‏ يصير ملوثا اكثر فأكثر.‏ فكيف حُلَّت هذه المشكلة؟‏
كان الحلّ ان تُبنى محطة تنقية في نفق موازٍ طوله ١٠٠ متر ويبعد ٥‏,٩ كيلومترات عن مدخل أورلاند.‏ طرفا هذا النفق يتصلان بالنفق الرئيسي.‏ فيُحوَّل الهواء في النفق الرئيسي الى هذا النفق الموازي،‏ حيث يُنتزع ٩٠ في المئة من الغبار وثنائي أكسيد النتروجين.‏
بوجود نظام التهوية وعملية التنقية هذين،‏ يمكن لنفق لاردال ان يستوعب بشكل مريح ٤٠٠ سيارة في الساعة.‏ كما ان هنالك اجهزة احساس داخل النفق تراقب نوعية الهواء وتضبط فعالية نظام التهوية.‏ وإذا صارت نسبة التلوث عالية جدا،‏ يُغلَق النفق لمنع السيارات من سلوكه،‏ ولكن حتى الآن لم يصل الوضع الى هذا الحد.‏
الى اي حد هو آمن؟‏
يشعر بعض الناس بالخوف من سلوك الانفاق.‏ وهذا الواقع الى جانب الحوادث والحرائق الخطيرة الاخيرة التي حدثت في انفاق اوروپية عديدة اعطت الاولوية لقضية الامان في نفق لاردال.‏ فأية اجراءات اتُّخذت ليكون النفق آمنا؟‏
هنالك مركز مراقبة في لاردال يرصد باستمرار اجهزة الامان المختلفة في النفق،‏ وإذا اشتُبه في شيء،‏ يُغلَق النفق.‏ واتُّخذت تدابير وقائية كثيرة لإغلاق النفق وإخلائه بسرعة.‏ كما وُضعت هواتف للطوارئ كل ٢٥٠ مترا ومِطفأتان للحريق كل ١٢٥ مترا.‏ يسجل مركز المراقبة اوتوماتيكيا موقع اية مِطفأة تُزال من مكانها.‏ وإذا أُزيلت مِطفأة،‏ تحذّر اشارات السير الضوئية الحمراء السائقين ألا يدخلوا النفق،‏ اما الاشارات والاضواء داخل النفق فترشد السائقين الى الاتجاه الآمن للخروج من النفق،‏ بعيدا عن الخطر.‏ ويستطيع السائقون ان يتخذوا وجهة السير المعاكسة بسبب وجود فُسح كل ٥٠٠ متر تتيح للسيارات ان تدور وتعود ادراجها،‏ وتوجد ١٥ فسحة تتيح للعربات الاكبر ان تفعل ذلك.‏ والنفق مجهَّز ايضا بنظامِ هوائيٍّ راديوي يجعل من الممكن إعطاء تعليمات للسائقين بواسطة الراديو في سيارتهم.‏ كما يراقب نظاما إحصاء وتصوير كل السيارات الداخلة الى النفق والخارجة منه.‏ وتعتبر المراجع المسؤولة عن هذا الطريق ان تدابير الامان هذه هي ذات مستوى عالٍ جدا نظرا الى العدد القليل نسبيا من السيارات التي تسلك النفق.‏
بماذا يتميز هذا النفق؟‏
اي شعور يعتري المرء اثناء سلوكه هذا النفق؟‏ كان احد الاهداف المهمة للمهندسين ان يكون سلوك هذا النفق تجربة ممتعة بحيث يشعر السائقون بالأمان ويقودون سياراتهم ايضا بأمان.‏ ولتحقيق هذا الهدف،‏ صُمِّم الجزء الداخلي من النفق بمساعدة اختصاصيين في علم النفس المتعلق بالسير في معهد للأبحاث ومصمِّمين محترفين في مجال الاضاءة وغيرهم،‏ بالاضافة الى جهاز محاكاة للقيادة.‏
والنتيجة؟‏ ليس النفق مستقيما تماما.‏ فهنالك منعطفات بسيطة تساعد السائقين على البقاء مستيقظين،‏ الا انهم يستطيعون رؤية ٠٠٠‏,١ متر الى الامام.‏ كما تسهِّل المنعطفات على السائق تحديد بعد السيارات المقتربة منه.‏ وهنالك في الجبل ثلاث حُجَر كبيرة شبيهة بالكهوف تعمل على تغيير رتابة الطريق.‏ فهي توحي للمرء بأنه يسلك اربعة انفاق قصيرة بدلا من نفق واحد طويل.‏ والاضواء الخصوصية في هذه الحُجَر،‏ الضوء الاصفر او الاخضر المسلّط على الارض والضوء الازرق عاليا،‏ توحي بأن ضوء النهار يدخل وأن الشمس تشرق.‏ ان هذه التأثيرات الضوئية الخاصة مع الاضواء الكافية على طول النفق تجعل معظم السائقين يشعرون بالراحة والامان.‏
يستطيع المسافرون الآن ان يتمتعوا بهذا الاختبار الفريد،‏ سلوك اطول نفق بري في العالم.‏ فهذه التحفة الهندسية العصرية ادَّت الى وَصْل شرق النَّروج بغربها بشكل آمن.‏ وهي دليل قوي على ما يمكن للانسان ان يفعله عندما يستخدم مهارته وعبقريته في حقل البناء.